روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | شُــعب الإيمــان...

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > شُــعب الإيمــان...


  شُــعب الإيمــان...
     عدد مرات المشاهدة: 2090        عدد مرات الإرسال: 0

قوله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة»، البضع في العدد ما بين الثلاث والعشر، وقيل من ثلاث إلى تسع، وقال الخليل: البضع سبع، وقيل ما بين اثنين إلى عشرة.

وأما الشعبة فهي القطعة من الشيء، فمعنى الحديث بضع وسبعون خصلة، وقد تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق، وفي الشرع تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا أفضلها لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق، وقد قدمنا أن كمال الإيمان بالأعمال، وتمامه بالطاعات، وأن التزام الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنها خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن إسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي.

وقد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها التوحيد المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطرفين أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة، هذا كلام القاضي رحمه الله.

وقال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان: تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا، فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فرجعت إلى كتاب الله تعالى، فقرأته بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد، فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة، لا يزيد عليها ولا تنقص، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن.

وذكر أبو حاتم رحمه الله جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه، وذكر أن رواية من روى بضع وستون شعبة أيضا صحيحة، فان العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه، وله نظائر أوردها في كتابه، منها في أحاديث الإيمان والإسلام، والله تعالى أعلم.

قوله «والحياء شعبة من الإيمان»: الحياء: ممدود وهو الإستحياء، قال الإمام الواحدي رحمه الله تعالى: قال أهل اللغة: الإستحياء من الحياة واستحيا الرجل من قوة الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الغيب، قال: فالحياء من قوة الحس ولطفه وقرة الحياة، وروينا في رسالة الإمام الأستاذ أبى القاسم القشيري عن السيد الجليل أبى القاسم الجنيد رضي الله عنه قال: الحياء رؤية الآلاء -أي النعم- ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء، وقال القاضي عياض وغيره من الشراح: إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة، لأنه قد يكون تخلقا وإكتسابا كسائر أعمال البر، وقد يكون غريزة، ولكن إستعماله على قانون الشرع يحتاج إلى إكتساب ونية وعلم، فهو من الإيمان بهذا، ولكونه باعثا على أفعال البر، ومانعا من المعاصي.

وأما كون الحياء خيرا كله ولا يأتي إلا بخير، فقد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق من يجله، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة، وجواب هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة، منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله، أن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور ومهانة، وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف، أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي، وإنما حقيقة الحياء: خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق، ونحو هذا، ويدل عليه ما ذكرناه عن الجنيد رضي الله عنه، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» أي تنحيته وإبعاده، والمراد بالأذى كل ما يؤذى من حجر أو مدر أو شوك أو غيره، والله أعلم بالصواب وله الحمد والمنة.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.